
أ.د.ضياء واجد المهندس
لم يكن قاسم سليماني رجلا يحمل شهادة عليا ،فتحصيله الدراسي لم يتجاوز المرحلة الثانوية والتي حصل بموجبها على وظيفة في مدينة كرمان التي ولد فيها في 11مارس عام 1957 .كان يعمل في البناء وهو طالب لاعانة عائلته لكن تغير حاله بعد ان تطوع على الحرس الثوري عام 1980.تدرج بسرعة اثناء تطوعه في الحرس الجمهوري الايراني ليصبح قائد فرقة (ثأر الله 41) التي ساهمت في الحرب العراقية الايرانية. وقد ذاع صيته منذ ذلك الحين في الاوساط العسكرية الايرانية ، واصبح قاسم سليماني قائدأ لفيلق القدس عام 1998 خلفاً لاحمد وحيدي.
ومنح رتبة لواء عام 2011 من قبل خامنئي ، وكان له دور كبير في عمليات ايران في الشرق الاوسط خاصة في العراق ولبنان وسوريا واليمن وفلسطين .إن اهم مايميز قاسم سليماني هو بساطته و عدم البوح بانجازاته او الظهور الاعلامي. ويعتبر بحد ذاته مؤسسة إذ يمتلك قدرات كبيرة في ادارة الازمات والصراعات بالاضافة الى خبرته الكبيرة في الجانب العسكري والجانب الاستراتيجي ويجيد اللغة العربية ، وله علاقات واسعة مع الاطراف الموجودة في مناطق الصراع في الشرق الاوسط.. والغريب ان علاقاته في الاوساط السياسية السنية تطورت بسرعة حتى اصبحت هذه العلاقات اكبر من علاقاته مع الاوساط السياسية الشيعية . يعتبر الرجل من الارهابيين بالنسبة لامريكا حتى ان الامريكان ادرجوه ضمن قائمة الارهاب ، لكن في عام 2001 بعد احداث الحادي عشر من ايلول كان الرجل يدير الحدود الافغانية الايرانية وساهم في الحد من تهريب المخدرات ،التقى سليماني برفقة دبلوماسيين ايرانيين مع وفد امريكي رفيع المستوى برئاسة ريان كروكر الذي اصبح سفيرا للولايات المتحدة الامريكية في العراق فيما بعد و تراس لجنة دراسة المستقبل السياسي للعراق في ٢٠١٦ و الذي اعد للخارجية الامريكية وطلب وقتها الامريكان من الايرانيين وفيلق القدس الذي كان يديره قاسم سليماني ان يساهموا بضرب تنظيم القاعدة وجماعة اسامة بن لادن بداعي الحد من المجازر التي ترتكبها القاعدة بحق الافغان الشيعة، وحقيقة الامر كانت الامريكان يريدون المساعدة ضد القاعدة. استمر التعاون الامريكي -الايراني حتى صرح جورج بوش في خطاب الاتحاد في ٢٠٠٢ من ان ايران محور الشر
تعرض الرجل الى ثلاث محاولات اغتيال، فشلت اثنان منها ونجحت الاخيرة. وكانت المحاولة الاولى من قبل مجاهدي خلق وبدعم وتمويل اسرائليين ،وذلك بزرع متفجرات في حسينية يحضر فيها مراسيم عزاء عاشوراء .
وقد زرعوا مايقرب من 500 كغم من المواد شديدة الانفجار وتم الكشف عن هذه العملية واحباطها. اما العملية الثانية قام بها الاسرائيليون عن طريق الاتراك حيث دفعوا لقناصة مدربين من تركيا لقتله ، و بالرغم من جرحه الا انه استمر في المعارك في القاطع الجنوبي لحلب ..ان من اهم مايمكن ان يقال بحق قاسم سليماني انه هرمز ايران المعاصر وانه الشخصية التي لن تتكرر في تاريخ ايران الحديث بعد الاسطورة الامام الخميني ..
كان لمجلس الخبراء العراقي دور كبير في احداث عام 2016 ، حيث كانت الاوضاع صعبة وكادت الامور تؤدي الى ضياع هذا البلد بسبب احتلال داعش على ٤٠% من الاراضي العراقية في عملية كانت نكسة هي نكسة حزيران الثانية في تاريخ العرب ' نكسة حزيران الاولى كنت في 5 حزيران عندما استطاعت اسرائيل احتلال اراضي العرب في ستة ايام وابتلعت من العرب اربعة اضعاف حجم اسرائيل. واحتلت اراضي شاسعة من مصر والاردن وفلسطين وسوريا. الاحداث المؤلمة التي كانت نكسة هي تشكيل داعش لدولة الخرافة وهم لايتجاوزون 350 داعشي، دخلوا من الحدود السورية بأسلحة كانت قد سلمت الى جيش النصرة حصلوا عليها ودخلو بها لتحرير السجناء في سجن بادوش ،لكن الجيش العراقي ترك اسلحته وقادته هربوا الى كردستان بعد ان خلعوا ملابسهم العسكرية ليرتدوا ملابس مدنية ..خسر العراق في بضعة ايام فرق عسكرية واسلحة تقدر بمليارات الدولارات صرف عليها العراق الكثير لتصبح بيد داعش، ليصبح قوة كبيرة...كان الامر في تصوراتنا ان الجيش العراقي قد لايستطيع ان يواجه داعش
بالاسلحة التي امتلكها بالاضافة الى الروح المعنوية العالية لداعش والانهيار الكبير في الجيش العراقي. وكان العزم والامور متجه الى الاعتماد على الفصائل المسلحة والحشد الشعبي ..كان حيدر العبادي رئيسا للوزراء في علاقة متشنجة مع الفصائل المسلحة وايضا بعلاقة ليست جيدة مع ايران التي كان لها دور لمستشاريها مع الشرطة الاتحادية في عمليات التحرير . في هذه الاثناء حاولنا مع الاطراف السياسية الفاعلة ان نغير الرئاسات الثلاث ظنا" منا ان العبادي لن يستطيع ان يقود عملية التحرير اولا لانه ليس عسكري وثانيا العلاقات الصعبةمع الفصائل التي كنا نعوّل عليها كثيرا في التحرير ،فلجأنا ودفعنا واعتمدنا على التظاهرات التي كانت من المدنيين والناشطين، وانظم اليها التيار الصدري وشكلوا قوة ضاغطة واصبحت هذه التظاهرات مؤثرة جدا وبشكل كبير عندما تدخل او نزل السيد مقتدى الصدر الى الميدان بشكل مباشر ونصب خيمته في باب المنطقة الخضراء .
عند لقاء هادي العامري مع ممثل الرئيس الامريكي باراك اوباما و معه ابو مريم الانصاري وقاسم الاعرجي وانا كنت معهم ، وحضر اللقاء السفير الامريكي ستيفن جونسن، كان المريكيون يخشون من دخول المتظاهرين الى السفارة لكي لاتتكرر تجربة دخول المتظاهرين الى السفارة الذي حدث في ليبيا وقتل على اثرها السفير الامريكي في بنغازي.
كان اوضاع ٢٠١٦ صعبة لعبت الاطراف الاقليمية و الدولية دورا مشبوها في تدمير العراق ...التقينا بوفود و شخصيات رفيعة المستوى من امريكا و ايران و مجلس التعاون الخليجي و بريطانيا و الاتحاد الاوربي ..اعتقد ان ماجرى في ٢٠١٦ غير اوضاع العراق حتى انطلقت تظاهرات تشرين ...و للحديث بقية .. ذهبت الى امريكا في شباط عام 2016، وكنت مخولا من قبل جهات رسمية عراقية بذلك.كنا نبحث مع الامريكان في الكواليس حول كيفية فك الارتباط بين القوات الامريكية والفصائل المسلحة العراقية (الحشد الشعبي ) الذين كان يطلق عليهم الامريكان المليشيات الايرانية.
في البدء كان هناك عزوف عن مساعدة العراق من قبل اوباما في زمن المالكي ،الى ان اتى العبادي بدأت قوات التحالف بالتعاون وقتها حيث اصدر اوباما اوامر الى القوات الامريكية للبدء باستخدام القوة الجوية المساندة للعراق . هناك ملاحظتين اثارت حفيظتنا في امريكا عندما ذهبت من نيويورك الى واشنطن وكونا فريقنا ، الملاحظةالاولى: زرت السفارة العراقية والتقيت بالسفير د. لقمان الفيلي، والذي شدّ انتباهي في السفارة ان معظم طاقم السفارة لايجيد اللغة الانجليزية ولا يجيد الاتكيت و الدبلوماسية، والموجود الفاعلة فقط سكرتيرة امريكية شكلها يوحي انها من اصول اسبانية،.. كان الهم الاكبر الذي تكبدته من اللقاء، انه لم يكن هناك اي اتصال بين لقمان الفيلي وبين وزير الخارجية (ابراهيم الجعفري) حيث كانوا في قطيعة، وكان الاتصال مع لقمان الفيلي فقط يتم مع حيدر العبادي .. كان العراق في ازمة كبيرة ومن المفترض ان يكون للسفارة العراقية في واشنطن دورا كبيرا جدا في هذه العملية خاصة وان الامريكان بالمقابل كان لهم سفارة يبلغ عدد موظفيها اكثر من خمسة الاف موظف، ومساحتها اكثر من عشر اضعاف مساحة السفارة الامريكية في الصين التي يقترب تعدادها من المليار ونصف المليار..
الملاحظة الثانية :ان الامريكان لم يهتموا بالعراق وليس من اوليات اهتمامهم ، وبالرغم من اني حصلت على مساعدة من اصدقاء لي في جامعة فلوريدا الدولية عندما كنت استاذ زائر هناك وعرفوني على بعض المهمين والمقربين من العراق Iraq desk ومن الكونغرس الا انني وجدت انه ليس هناك اهتمام بالعراق ولا بقضية العراق وان العملية هو استخدام العراق في عملية انتخابية كانت هيلاري كلينتون تدفع من خلالها باتجاه معروف هو الهجوم وتحرير الاراضي العراقية للحصول على نقاط للفوز بالعملية الانتخابية، بينما كان ترامب يهاجم الوضع العراقي مهاجمة كبيرة وكان دائما مايقول: ليس هناك حكومة عراقية هناك مجموعة لصوص يسرقون المال العراقي من النفط ويضعونه في خزاناتهم.
ما استفدته من بعض المحللين الاستراتيجين و السياسين وبعض من المقربين من العراق ديسك ومن الكونغرس ان ترامب سيفوز بالانتخابات بالمطلق، رغم ما يعتقده الجميع بعدم فوزه وان كانت الشقراء هيلاري كلينتون متقدمة ولها في الاعلام دور كبير لكنها لن تفوز حسب رايهم ..وعندما سألتهم عن السبب اجابوا :الداعمين لترامب هم لوبي صناعة الاسلحة؛ ولوبي مصارف منهاتن؛ ولوبي الشركات العقارية ؛ومجموعة الشركات العملاقة للتواصل الاجتماعي الفيسبوك ؛ اضافة الى مجموعة اللوبي الصهيوني في امريكا وهي مؤسسة ايباك.
عندما رجعت للعراق اكدت للجميع في لقاءاتي مع المالكي والعامري وعمار الحكيم وضياء الاسدي ونصار الربيعي وصالح المطلك ومحمود المشهداني واحمد الجبوري وسليم الجبوري ووووو ،،للجميع قلت لهم: احسبوا حسابكم ان ترامب فائز وإنه سيعقد و يصعب العلاقة مع ايران ؛وان الاوضاع العراقية لن تكون سهلة؛ وعليكم ترتيب اوضاع البيت العراقي ..لم يعتقد الجميع بما قلنا ولكن مضت الامور كما عرفناها و توقعناها و حذرنا منها ..
الشيء المهم الذي حصلنا عليه هو ان امريكا لم يكن يهمها ان يكون هادي العامري مثلا رئيسا للوزراء او تتغير الخارطة في الرئاسات الثلاث ؛ولكن كانوا بحاجة الى ان تكون مساحة ايران محددة ؛ولن تتجاوز المساحة المقررة لها في الدور السياسي العراقي ..والغريب ان ايران والسعودية قدموا دعما كبيرا الى هيلاري كلينتون وقلنا لهم عندما التقيت بالسفارة الايرانية بدعوة منهم و التقينا بالسفير ومع صادقي محمديان ( المسؤل السياسي في السفارة الايرانية): قلت ذهبت اموالكم هباء بدعمكم هيلاري كلينتون وان من يفوز هو ترامب..
عموما كان قاسم سليماني يدفع باتجاه بقاء الاوضاع على ما عليها كما ابلغنا الصادقيان محمدي ا. كنا ننتظر تغيير سليم الجبوري بأحمد المساري؛ و استبدال حيدر العبادي بهادي العامري ؛و ابدال فؤاد معصوم ببرهم صالح ؛وكنا قد تحدثنا مع جميع الكتل السياسية بهذا الموضوع ..كان مصدر قوتنا هو التظاهرات الشعبية الموجودة في ساحة التحرير و المنطقة الخضراء؛ اضافة الى مشاركة التيار الصدري الذي نزل بثقله في الموضوع للتغيير .. كانت الحاجة للتغيبر ملحة ، لان اوضاعنا كانت اوضاع بلد محتل من قبل شرذمة مسلحة هي داعش؛ بالاضافة الى سوء خدمات الكهرباء والنقل والمواصلات والاتصالات وخدمات وزارة التجارة والبطاقة التموينية .
قدمنا وقتها للمالكي مجموعة ملفات عن سليم الجبوري تدينه بالارهاب و الذي كان في وضع حرج خاصة في صراعه مع وزير الدفاع خالد العبيدي حول السيارات المدرعة وحول الاعاشة ..غير ان الملفات التي سلمت الى نوري المالكي لم ترى النور ولم يستفد منها احد لانه جرى اتفاق بين سليم الجبوري ونوري المالكي. و ابلغني نوري المالكي فيما بعد ان قاسم سليماني قد زاره اكثر من خمس مرات في نفس الاسبوع ليطلب منه ان لا يشترك في تغيير سليم الجبوري او حيدر العبادي ..و للحديث بقية .